Explore
Also Available in:

هل يجب أن يُؤخذ سفر التكوين بطريقة حرفيّة؟

بقلم:
قام بالترجمة: reasonofhope.com) Jack Kazanjyan)

Photo Dr Clifford Wilson943Babylonian-tablet
قطعة من لوحة بابلية أثرية تم العثور عليها في منطقة نيبور (نِفر)، وهي موقع بابليّ قديم في نفس المنطقة العامة التي خرج منها ابراهيم. المنطقة المُحاطة بالأسود هي سجل يتحدث عن الطوفان. علماً أنه يوجد حول العالم أكثر من ٣٠٠ تسجيل معروف عن الفيضان، ٣٠ منها تسجيلات مكتوبة. والبعض منها يتقارب في التفاصيل بشكل ملحوظ في التفاصيل مع الأصل – الموجود في الكتاب المقدس.

غالباً ما يتم توجيه الإتهام إلى الخلقيّين بأنهم يؤمنون بوجوب أخذ الكتاب المُقَدَّس بأكمله بطريقة حرفية. إلا أن الأمر مختلف تماماً! عوضاً عن ذلك، نجد إن مفتاح الفهم الصحيح لأي جزء من الكتاب المقدس هو التحقُّق من قصد كاتب الجزء أو السِفر قيد البحث. وهذا لا يبدو أمراً صعباً، فالكتاب المقدس يشتمل على:

  • الشِّعر: كما في المزامير، حيث نجد تكرار الأفكار أو توازيها وفقاً لقواعد الشعر العبري، التي لا تعتمد على القافية (التوازي الصوتي لنهاية كل بيت شِعْرِي) والعَرُوض (الوزن) التي هي قواعد الشعر باللغة الإنجليزية [والعربية أيضاً]. وبالمناسبة، هذا الأمر هو الذي مَكَّن من ترجمة المزامير إلى اللغات الأخرى مع المحافظة على معظم جاذبيتها الأدبيّة ولذتها الشعرية، في حين نلاحظ فقدان القافية والوزن عند ترجمة الشعر الغربي إلى اللغات الأُخرى.
  • الأُمثال: كما هو الحال مع العديد من أمثال يسوع [المسيح]، كَمَثَل الزارِع (متى ١٣: ٣-٢٣)، الذي يصرح فيه يسوع نفسه بأنه مَثَل، ويُقَدِّم شرحاً له وللعناصر المختلفة، مثل البذور والتربة.
  • النبوءات: كما في الكتب [الأسفار] الأخيرة من العهد القديم (من أشعياء إلى ملاخي).
  • الرسائل: كما في رسائل العهد الجديد التي كتبها بطرس، بولس، يوحنا، وآخرين.
  • السيرة الشخصيّة: كما في الأناجيل (البشارات).
  • الشّهادة [الإعتراف]/السيرة الذاتية: كما في سِفر أعمال الرسل حيث يشرح الكاتب، لوقا، بعد سرد قصّة تَحوُّل [اهتداء] الرسول بولس على طريق دمشق كحقيقة تاريخيّة (أعمال ٩: ١-١٩)، مناسبتين أُخريَين عندما قدَّم بولس الرسول تجربة اهتداءه كجزء من شَهادَتِه الشخصية (أعمال ٢٢: ١-٢١؛ ٢٦: ١-٢٢).
  • الحقائق التاريخية الموثوقة: كما هو الحال في سِفريّ الملوك الأول والثاني، وغيرهما.

وبالتالي فإن قصد الكاتب فيما يتعلَّق بأي سِفر من أسفار الكتاب المُقَدَّس يكون تامّ الوضوح بالعادة من خلال الأسلوب والمُحتوى. [انطلاقاً من هذه الأُسس نطرح السؤال التالي:] من كان كاتب سفر التكوين، وما هو القصد الذي يَظهَر من خلال أسلوبه ومحتوى ما كَتَب؟

الكاتب

إن الربَّ يسوع نفسه بالإضافة إلى كتُّاب الإناجيل قالوا أن الناموس بموسى أُعطي (مرقس ١٠: ٣؛ لوقا: ٢٤: ٢٧؛ يوحنا ١: ١٧)، والتقليد المُوَحَّد للكَتَبَة اليهود والآباء المسيحيّين الأُوَل، كما في خُلاصَات الدارسين المحافظين في عصرنا الراهن، نجد أن سفر التكوين قد كتَبَه موسى. وهذا لا يستَبعِد إمكانيّة أن يكون موسى قد وَصل إلى تسجيلات الآباء البطاركة، المحفوظة من خلال كتابتها على ألواح الطين والتي انتقلت من الأب إلى الإبن عبر سلسلة آدم – شيث – نوح – سام – ابراهيم – اسحق – يعقوب، الخ، كما وتوجد إحدى عشر آية في سفر التكوين تقول عبارة: ’هذه المواليد [بالعبرية: توليدوث= ’أصل، جذر، مبدأ‘ أو امتداد الكلمة ’سِجلّ الأصول‘] التي لـ … .‘1 وبما أن كل هذه التصريحات تأتي بعد الأحداث التي وصفتها، كما أن الأحداث المسجلة في كل جزء قد وقعت قبل وليس بعد وفاة الأشخاص المرتبطين بها، بالتالي يمكن أن نقول أنها [التصريحات] بمثابة أجزاء فرعية أو خلاصات، ما معناه أنها تشابه اللمسات الأخيرة للكاتب، عوضاً عن كونها عناوين فرعية جديدة أو عناوين للصفحات, فإن كان الأمر كذلك، فإن التفسير الأكثر ترجيحاً هو أن يكون كل من آدم ونوح وشيث والآخرون قد كتبوا سرداً للأحداث التي وقعت في حياة كل منهم، ومن ثم قام موسى وبإرشاد من الروح القدس، باختيار وتجميع هذه الكتابات، جنباً إلى جنب مع تعليقاته الخاصّة في السفر الذي نعرفه الآن باسم سفر التكوين2 (انظر أيضاً، هل كتب موسى حقاً سفر التكوين؟ Did Moses rally write Genesis?)

إن طريقة كتابة الأصحاحات ١٢-٥٠ من سفر التكوين بشكل واضح على أنها تأريخاً للحقائق، حيث تمَّ وصف حيوات كل من ابراهيم واسحق ويعقوب، وأبناءه الإثني عشر الذين كانوا رؤساء أسباط اسرائيل. كما أن الشعب اليهودي، منذ أقدم العصور وإلى يومنا هذا، ينظر إلى هذا الجزء من سفر التكوين على أنَّه السجل الحقيقي لتاريخ أُمَّتهم.

إذاً، ماذا عن الأصحاحات الأحد عشر الأولى من سفر التكوين، التي هي محور اهتمامنا، وخصوصاً أن هذه الأصحاحات بالتحديد قد تلقَّت الكمَّ الأكبر من الإعتراضات من قبل الدارسين، والعلماء، والناقدين المعاصرين؟

التكوين ١-١١

هل تمت كتابة أي من هذه الأصحاحات بطريقة شعرية؟

للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا أن ندرس بشكل أعمق فقط ما الذي يشارك في توازي في الأفكار التي يُبنى عليها الشِّعر العبري.

فلنتأمّل في المزمور ١: ١، الذي ينصّ على مايلي: ” طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ.“ حيث نجد هنا التوازي الثلاثي في الأسماء والأفعال المستخدمة (اقرأ من الأعلى للأسفل في الجدول التالي):

يَسْلُكْ مَشُورَةِ الأَشْرَارِ
يَقِفْ طَرِيقِ الْخُطَاةِ
يَجْلِسْ مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ

حيث أنه بالإضافة لهذا التوازي الصريح، يوجد أيضاً توازي مُكمَن أو حذق للمعنى. في العمود الأول من الجدول، يشير الفعل ”يَسْلُك“ إلى المعرفة قصيرة المدى، بينما ”يقف“ تشير إلى الاستعداد للنقاش، أما ”يجلس“ فتشير إلى المشاركة طويلة الأجل. في العمود الثاني، تشير ”مَشُورَة“ إلى النصيحة العامة، ويشير ”طريق“ إلى السلوك المُختار، أما ”مَجلِس“ فيدل على الحالة الذهنية الثابتة. أما في العمود الثالث فنجد أن ”الأشرار“ تشير إلى الفٌجّار [غير المؤمنين]، و”الخُطاة“ تصف الأشرار الفاعلين [للإثم]، أما ”المُستَهزِئين“ فتصوّر الأشرار المُزدَرين [فاعلين للإثم ومُحتقرين لله].

ونجد بين الأشكال الأُخرى للشِعر العبري، التوازي المتناقض، كما في أمثال ٢٧: ٦ ” أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ، وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ.“، و أيضاً نجد التوازي المتكامل كما في مزمور ٤٦: ١ ”اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا.“3

والآن نرجع إلى سؤالنا، هل كُتب أي من الإصحاحات الإحدى عشر الأولى من سفر التكوين بطريقة شِعريَّة؟

الإجابة: لا، لأن هذه الأصحاحات لا تحتوي على أنباء أو تضرّعات بأي شكل من أشكال الشِعر العبريّ، سواء كان ذلك بشكلٍ ظاهر أو مُبَطَّن وهذا ما يوافق عليه علماء اللغة العبرية (انظر أدناه).

ملاحظة: يوجد في الأصحاح الأول من سفر التكوين عدد من الكلمات المكررة، على سبيل المثال. ”وقال الله…“ تكرَّرت ١٠ مرّات؛ ”ورأى الله أنَّه حَسَن/ حَسَنٌ جداً“ تكرَّرت ٧ مرَّات؛ ”كَجِنْسِه“ وردت ١٠ مرَّات؛ ” وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا “ تكررت ٦ مرَّات. ومع ذلك، فإن هذا النوع من التكرار لا يحتوي على أشكل من الأشكال الشعريَّة التي تمت مناقشتها أعلاه؛ إنما هي عبارة عن تصريحات حقيقيّة، وبالتالي فهي سجّل لما حَدَث، وربما للتأكيد والإشارة إلى أهمية الكلمات المُكرَّرة.

هل قُدِّمت هذه الأصحاحات على أنَّها أمثال؟

لا، لأنه في كلّ مرّة نطق يَسُوعُ بأحد الأمثال، فقد سبق وقدم له على أنه مَثَل، أو استخدمَ صيغة التشبيه، بالشكل الذي يوَضِّح للسامعين أنه كان مَثَلاً، ونجد ذلك في العديد من المواضع كقوله: ”يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَات…“. ولَم تُستَخدَم مثل هذه الإدعاءات أو الأسلوب من قِبَل الكاتب في التكوين ١-١١.

هل كان أي من هذه الأصحاحات نَبَويّاً؟

Photo Dr Clifford Wilson943creation-tablet
قرص أثري [يدعم قصة الخلق] تم العثور عليه في إيبلا السوريّة، ويعود إلى الألفيَّة الثالثة قبل الميلاد. ويَنِسب أعمال الخَلق العظيمة إلى كائن واحد عظيم، ”لوغال“ والذي يعني حرفياً ”العظيم“. يَظهر من خلال النقوش أن كُلاً من قصّة الخَلق وفنّ الكتابة كانا معروفَين بشكل جيّد للإنسان قبل ألف سنة من زمن موسى. كما يَظهر كذلك الخطأ الواضح للفكرة الليبراليّة التي تقول بأن الأسفار الأولى من سفر التكوين قد تمَّ كتابتها لأول مرَّة بعد مئات السنين من زمن الملك سليمان.

ليس من خلال السياق الكامل للنص، على الرغم من وجود وَعدَين إلهيَّين نَبَويَّين، بمعنى أنه يمكن رؤية تحقُّقهما في المستقبل. أحدهما هو سفر التكوين ٣: ١٥، الذي كان كلام الله إلى الحيَّة (الشيطان) بشكل مجازيّ: ”وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ»“. وقد فسّر الكثيرون ”نسل“ الواردة في هذه الآية على أَّنه المسيح، بمن فيهم الإنجيليّين والتُرجوم اليهودي4 ومن هنا جاء التعبير التلموديّ ”عَقِبَا المسيح“.5 فالمسيح سيعاني من جروح في قدميه (على الصليب)، لكنَّه سيُدَّمِّر قوة الشيطان بالكامل. وفي هذه الآية تلميح إلى الولادة العُذريَّة، حيث يُدعى المسيح نسل المرأة، بعكس الشكل العام الكتابي المتمثل في تسمية أب المولود وليس أُمَّهُ.(راجع، التكوين٥ ؛ ١١؛ أخبار الأيام الأول ١-٩، متى ١؛ لوقا ٣: ٢٣-٣٨).

والوعد النبوي الثاني هو في تكوين ٨: ٢١-٢٢و ٩: ١١-١٧ :

” وَقَالَ الرَّبُّ فِي قَلْبِهِ: «لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ… وَلاَ يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ الأَرْضَ.“

هل كان أي من هذه الفصول بصيغة رسائل أو سيرة ذاتية أو شهادة شخصية/سيرة شخصية؟

هذا هو الجزء الذي نحتاج من خلاله أن نبحث في بعض العناوين الفرعية المذكورة أعلاه.

إن كان آدم قد عَرَف أحداث أيام الخلق من الأول إلى السادس، فإنها يجب أن تكون قد أٌعلِنَت له من قبل الله، حيث أن آدم لم يُوجَد حتى الْيَوْمَ السادس، وبالتالي إن معرفته بهذه الأحداث تأتي من إِخبار الله له، ويعزّز هذا الرأي بالكلمات الكتابية ” هذِهِ مَبَادِئُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ حِينَ خُلِقَتْ“ المذكورة في (تكوين٢: ٤ أ). حيث أن تفاصيل الْيَوْمَ السابع، يوم الراحة، قد وردت قبل ذلك في تكوين ٢: ٢-٤، وبهذه الطريقة تكون قد استُكِمِلَت (كما قد نتوقع) احداث أسبوع كامل من سبعة أيام، قبل ظهور هذا الإعلان الختامي، أو الخلاصة الختامية.

ثم يتبع ذلك الأحداث المُسَجَّلة في (تكوين ٢: ٤ب-٥: ١أ).حيث يُخبرنا هذا الجزء عن آدم، وزجته حوّاء، وأبناءهم، ويُقرأ إلى حدٍّ كبير بشكل سرد شخصيّ لما عرفه آدم، وعاينه، وخبرته الشخصية فيما يتعلق بجنَّة عدن، وخلق حوّاء (الأصحاح الثاني)، وتمرُّدَهُما ضد الله (الأصحاح الثالث)، وأفعال ذُرِّيَتَهُم (الأصحاحات ٤ إلى ٥: ١أ)، ونجد أن هذه الأجزاء قد تمَّ سَردُها باستخدام ضمير الغائب.6 وقد انتهى هذا السرد بالكلمات التالية: ”هذَا كِتَابُ مَوَالِيدِ آدَمَ“.

فهل من الممكن أن يكون آدم قد قام بكتابة سفر التكوين (١: ١ – ٢: ٤أ) نتيجةً للحوار مع الله قبل سقوطه بالخطيئة، في حين أنه قام بكتابة التكوين (٢: ٤ب -٥: ١) كسجلّ لخبراته الشخصيّة؟ لا يوجد أي مشكلة فيما يتعلَّق بقدرته على القيام بذلك. فآدم قَدْ خُلِقَ كرجلٍ ناضج، لديه كل الحمض النووي، المعرفة والقدرات التي احتاجها للقيام بالمهام التي أُوكِلَت إليه من قِبَل الله. فلم يكن رجلَ كهفٍ! امتلك آدم ما يكفي من معرفة عن البَستَنة ” لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا“ (تكوين ٢: ١٥)، وذكاء وافر ليميِّز بين الحيوانات و يعطيها أسماءها (تكوين ٢: ١٩). وكان لديه (ولحواء) القدرة على اجراء حوار مع الله دون أن يتعلَّما أيَّة أبجديّةٍ، ولا يوجد سبب للافتراض بأنه لم يمتلك القدرة على الكتابة أيضاً.7

تناقضات مُفترضة

ماذا عن التناقض المُفتَرض بين ترتيب الأحداث في الأصحاح الثاني من التكوين والأحداث في الأصحاح الأول منه؟

لا يوجد أي تناقض! انظر أيضاً مقال بعنوان: تناقضات سفر التكوين (Genesis contradictions?)

إن كنّا نقرأ، ”وَغَرَسَ الرَّبُّ الإِلهُ جَنَّةً فِي عَدْنٍ شَرْقًا، وَوَضَعَ هُنَاكَ آدَمَ الَّذِي جَبَلَهُ.“ (تكوين ٢: ٨) و ” وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ مِنَ الأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ… “ (تكوين ٢: ١٩ يتم التشديد على هذه الآية)، إنه من الواضح أن المشهد المُقَدَّم في الأصحاح الثاني ينصّ على أن النباتات والحيوانات قد تكوَّنت قبل آدم. وآدم قد دَعَا الحيوانات بأسمائها (تكوين ٢: ٢٠)، والأمر الواضح أنها كانت موجودة بالفعل. ولا يوجد هنا أي تناقض مُلفِت في ترتيب [وجود] الحيوانات المُدرج في تكوين ٢: ٢٠؛ ومن المرجَّح أن يكون هذا هو الترتيب الذي التقى به آدم مع الحيوانات، في حين أن ترتيب خلقهم منصوص عليه في تكوين ١: ٢٠-٢٥. ويعلّق الدكتور هنري موريس:

”كانت الحيوانات وحدها في أقرب مُرشَّح نظري لتكون رفيقة للإنسان وقد تمَّ إحضارها إليه. وقد شملت هذه طيور السماء (الآية ١٠ وربما الحيوانات الداجنة)، وحوش الحقل، التي من الواضح أنها كانت الحيوانات البريّة الصغيرة التي قد تسكن بالقرب من المساكن البشرية. أما الحيوانات التي لم يتم ذكرها في سمك البحر، والزواحف، ووحوش البرية المذكورة في تكوين ١: ٢٤، التي يفترض أنها كانت تلك الحيوانات البرية التي تعيش على مسافة بعيدة من مساكن الإنسان وحقوله المزروعة“.8

أما فيما يتعلق بأسماء المواقع الجغرافية، ليس لدينا أي فكرة عن تكوين الأرض أوالأنهار قبل الطوفان، إذ أن العالم كما كان معروفاً قبل الطوفان قد دُمِّر بالكامل، ولا تتطابق الأراضي والأنهار التي سُمِّيت قبل الطوفان مع ما حمل أسماء مشابهة بعد الطوفان.

Photo stock.xchng943sunset

ليس الهدف من التكوين ٢: ١٨-٢٥ إعطاء تسجيل آخر للخلق إنما أظهار أنه لم يكن هنالك قبلاً أية علاقة بين آدم والحيوانات. فليس بينها ما يشبهه، وبالتالي فليس من الممكن لها أن تقدم لها الرفقة والعِشرَة. لما لا؟ لأن آدم لم يتطوَّر من إحداها، بل كان ”نَفساً حيَّةً“ الذي خلقه الله ”على صورته“ (تكوين ٢: ٧, ١: ٢٧). وهذا يعني أن الله قد خلق آدم ليكون الشخص الذي يمكن أن يخاطبه، والذي يستطيع التفاعل والاستجابة معه. وهنا، كما في أماكن أُخرى، نجد أن التصريحات الواضحة للكتاب المقدس تتواجه وتتعارض مع مفهوم التطوُّر البشري.

وبالتالي، يتواجد لدينا أدلَّة كافية لنقوم بالاستنتاج بأن آدم هو على الأرجح كاتب التكوين ٢: ٤ب – ٥: ١، حيث أن هذا سجل تجاربه الشخصية فيما يتعلق بالأحداث التي جرت في جنة عدن، خلق حواء، السقوط في الخطيئة، وحياة قايين وهابيل وشيث.

القسم التالي الممتد من ٥: ١ب إلى ٦: ٩أ، يتعامل مع الخط الممتد من آدم إلى نوح، وينتهي بالعبارة: ” هذِهِ مَوَالِيدُ نُوحٍ.“

والقسم الذي يليه من ٦: ٩ب إلى ١٠: ١أ، يتعامل بشكل عام مع قصة الفُلك والطوفان، حيث ينتهي بالعبارة: ”وَهذِهِ مَوَالِيدُ بَنِي نُوحٍ: سَامٌ وَحَامٌ وَيَافَثُ.“ وتشير طريقة صوغ هذا الجزء إلى أنه قد يكون كُتب من قبل أحد أبناء نوح، وربما يكون سام، حيث أن موسى ينحدر من نسل سام. وهذه الأصحاحات تُقرأ كأنها تقرير يقدمه شاهد عيان وذلك من خلال التفاصيل الدقيقة الحميميّة المحتواة فيها. تأمل مثلاً في سفر التكوين ٨: ٦-١٢ ولاحظ كيف يحتوي على حلقة أحداث ذات موثوقية تأتي من قبل شاهد عيان. وربما تكون هذه يوميّأت سام!

التكوين ٨: ٦-١٢:

6 وَحَدَثَ مِنْ بَعْدِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَنَّ نُوحًا فَتَحَ طَاقَةَ الْفُلْكِ الَّتِي كَانَ قَدْ عَمِلَهَا
7 وَأَرْسَلَ الْغُرَابَ، فَخَرَجَ مُتَرَدِّدًا حَتَّى نَشِفَتِ الْمِيَاهُ عَنِ الأَرْضِ.
8 ثُمَّ أَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنْ عِنْدِهِ لِيَرَى هَلْ قَلَّتِ الْمِيَاهُ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ،
9 فَلَمْ تَجِدِ الْحَمَامَةُ مَقَرًّا لِرِجْلِهَا، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ إِلَى الْفُلْكِ لأَنَّ مِيَاهًا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ. فَمَدَّ يَدَهُ وَأَخَذَهَا وَأَدْخَلَهَا عِنْدَهُ إِلَى الْفُلْكِ.
10 فَلَبِثَ أَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَادَ فَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ مِنَ الْفُلْكِ،
11 فَأَتَتْ إِلَيْهِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَإِذَا وَرَقَةُ زَيْتُونٍ خَضْرَاءُ فِي فَمِهَا. فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ قَلَّتْ عَنِ الأَرْضِ.
12 فَلَبِثَ أَيْضًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُخَرَ وَأَرْسَلَ الْحَمَامَةَ فَلَمْ تَعُدْ تَرْجعُ إِلَيْهِ أَيْضًا.

إن مثل هذه التفاصيل الدقيقة إنما هي مادة لشهادة حقيقيّة تأتي من شاهد عيان. وتحمل صفة الموثوقية.

بالتالي، يتواجد مجموعة كبيرة من الأدلة التي تشير إلى أن هذه الأجزاء من سفر التكوين التي وصفت الأحداث بدقة من قبل المشتركين فيها، قد كُتِبَت من قبل الأشخاص عينهم المذكورين، بغرض انشاء وتمرير سجل دائم للأحداث.

إذاً، هل كانت هذه الأصحاحات الإحدى عشرة مكتوبة بصيغة سجل لحقائق تاريخية حقيقيّة؟

الإجابة هي نعم، وذلك لعدّة أسباب.

الدلائل الداخلية من سفر التكوين

  1. هنالك الدليل الداخلي من سفر التكوين نفسه. فكما ذكرنا سابقاً، إن الشعب اليهودي دائماً ما اعتبر أن الأصحاحات ١٢-٥٠ هي سِجلّ لتاريخهم الحقيقيّ، وأسلوب الكتابة في الأصحاحات من ١-١١ لا يختلف كثيراً عن الأسلوب في الأصحاحات ١٢-٥٠؟

  2. لطالما اعتبر علماء اللغة العبرية أن هذا هو الحال [فيما يتعلق بهذه الأصحاحات]، وهكذا كتب البروفيسور جيمس بار، أستاذ اللغة العبرية في جامعة أكسفورد:

    ”بالغالب، بحسب معرفتي، لا يوجد أي أستاذ في اللغة العبرية أو العهد القديم في أي جامعة عالمية مرموقة لا يعتقد بأن كاتب (أو كُتَّاب) سفر التكوين ١-١١ أرادوا أن ينقلوا لقرّائهم الأفكار التالية (أ) حدثت عملية الخلق في سلسلة من ستة أيام كلٌّ يومٍ منها كان مكوَّن من ٢٤ ساعة كالتي نشهدها الآن (ب) الأرقام الواردة في سلاسل النسب من سفر التكوين تُقدّم مع قليل من الإضافات تسلسلات زمنياً من بداية العالم وحتى المراحل اللاحقة في القصّة التوراتية (ت) قد تم فهم طوفان نوح على أنه كان في جميع أنحاء العالم وقام بمحو كل أشكال الحياة البشرية والحيوانية باستثناء تلك الموجودة في الفُلك. أو، بطريقة نقديّة [سلبية]، لا تؤخد الجدالات الدفاعية (التي تفترض ”أيام“ الخلق على أنها عصور طويلة من الزمن، وأن أرقام السنوات يجب أن لا يتم الأخذ بها على أن تكون أساس التسلسل الزمني، والطوفان على أنه طوفان محليّ في منطقة مابين النهرين) على محمل الجد من قِبل هؤلاء الأساتذة، بحسب معرفتي.“9

  3. أحد الموضوعات الرئيسيّة لسفر التكوين هي سلطان الله. ويُرى هذا في أعمال الله من خلال احترام أربعة أحداث بارزة في سفر التكوين ١-١١ (الخلق، السقوط في الخطيئة، الطوفان، وتَشَتُّت بابل)، وفي علاقته بأربعة أشخاص بارزين في التكوين ١٢-٥٠ (ابراهيم، اسحق، يعقوب، ويوسف). وبالتالي يوجد موضوع موحَّد لكتاب سفر التكوين، الذي يسقط [يفقد مصداقيته] في حال كان أي جزء من هذه الأجزاء أسطورياً وليس تاريخاً حقيقيّاً. ومن ناحية أُخرى نجد أن كل جزء يعضد المصداقية التاريخية للآخر.10

أدلة من بقية الكتاب المُقَدَّس

  1. تتم الإشارة إلى الأشخاص الرئيسيِّين المذكورين في الأصحاحات من ١-١١ على أنهم شخصيات حقيقيّة – تاريخية، وليست أسطوريّة – في بقية أسفار الكتاب المقدس، وغالباً تكون مرّات متعددة. على سبيل المثال، تتم الإشارة إلى آدم وحواء وقايين وهابيل ونوح في خمسة عشر سفراً من الكتاب المُقدَّس.

  2. أشار الرب يسوع المسيح إلى خلق آدم وحواء كحدث تاريخي حقيقي، وذلك عندما اقتبس من سفر التكوين ١: ٢٧ و ٢: ٢٤ في تعليمه عن موضوع الطلاق (متى ١٩: ٣-٦؛ مرقس ١٠: ٢-٩)، كما أنه أشار إلى نوح على أنه شخصية حقيقية، والطوفان على أنه حدث تاريخيّ حقيقيّ، وذلك في تعليمه حول ”مجيء ابن الإنسان“ (متى ٢٤: ٣٧-٣٩؛ لوقا ١٧: ٢٦-٢٧).

  3. إن لم تكن الأصحاحات الإحدى عشر الأولى من سفر التكوين تقدم أحداثاً تاريخيّة حقيقيّة، فإن بقية الكتاب المقدس ستكون غير مكتملة وغير مفهومة بمعناها الكامل. فموضوع الكتاب المُقدَّس هو الخلاص، ويمكن تلخيصا بالشكل التالي:

    1. تم الكشف عن قصد الله الخلاصي في التكوين١-١١
    2. يتم معالجة (سير) قصد الله الخلاصي من التكوين ١٢ وحتى يهوذا ٢٥، و
    3. اكتمال قصد الله الخلاصي في سفر الرؤيا ١-٢٢.

    لكن لماذا تحتاج البشرية للخلاص؟ ومالذي تحتاج إلى الخلاص منه؟ الإجابة مُعطاة في سفر التكوين ١-١١، وهو من الخراب الذي أحدثته الخطيئة. فإن لم نعرف أن دخول الخطيئة إلى الجنس البشري كان حقيقة تاريخية صحيحة، فإن غرض الله في توفير البديل الكَفَّاري سيكون غامضاً. وبالمقابل، فإن الحقيقة التاريخية التي في سفر التكوين ١-١١ تُظهِر أن جميع البشر قد وقعوا تحت الغضب المُقَدَّس الإلهي ويحتاجوا إلى الخلاص من دينونة، وسلطان، ووجود الخطيئة.

  4. إن لم تكُن الأحداث الواردة في الأصحاحات الأولى من سفر التكوين هي أحداث حقيقيّة، فإن تفسير بولس الرسول للإنجيل في رسالته إلى رومية الأصحاح ٥ والقيامة في كورنثوس الأصحاح ١٥ لا يحمل أي معنى. فقد كتب بولس: ”لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ أَبْرَارًا.“ (رومية ٥: ١٩). وأيضاً ” فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ. لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ.… هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا:«صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا».“ (١كورنثوس ١٥: ٢١-٢٢ ؛ ٤٥). فالحقيقة التاريخية للسجل المتعلق بآدم الأول هي ضامنة بأن ما يقوله الله في كلمته عن آدم الأخير [يسوع] صحيح أيضاً. وبالمثل، فإن الحقيقة التاريخية والحرفية للسجل المتعلّق بيسوع هي ضمانة بأن ما يقوله الله عن آدم الأول هو أيضاً صحيح من الناحية التاريخية والحرفية.

الخلاصة

نعود إلى السؤال الذي هو عنوان هذه المقالة: هل يجب أن يتم أخذ سفر التكوين بطريقة حرفيّة؟

الإجابة: إن قمنا بتطبيق المبادئ القياسية لتفسير الكتاب المقدس (متجاهلين أي ضغوط لتحوير النص ليتوافق مع الأحكام التطورية المسبقة لعصرنا الراهن)، فمن الواضح وبشكل بَيِّن أن المقصود من سفر التكوين هو أن يتم أخذه بأمانة، وبالمعنى الواضح على أنه سجل موثوق، حرفيّ، تاريخي لما حدث بالفعل.

مراجع

  1. انظر التكوين ٢: ٤؛ ٥: ١؛ ٦: ٩؛ ١٠: ١؛ ١١: ١٠؛ ١١: ٢٧؛ ٢٥: ١٢؛ ٢٥: ١٩؛ ٣٦: ١؛ ٩:٣٦؛ ٣٧: ٢. عودة إلى النص.
  2. The seminal author on the colophon concepts was P.J. Wiseman, Creation Revealed in Six Days, Marshall, Morgan & Scott, London, 1948, pp. 45–53. For an excellent evaluation of this by a evangelical linguist see The Oldest Science Book in the World, by Dr Charles V. Taylor, Assembly Press, Queensland, 1984, pp. 21–23, 73, 121. عودة إلى النص.
  3. This discussion of Hebrew poetry was adapted from J. Sidlow Baxter, Explore the Book, Vol. 1, pp. 13–16. عودة إلى النص.
  4. Aramaic paraphrases of the OT originating in the last few centuries BC, and committed to writing about AD 00. See F.F. Bruce, The Books and the Parchments, (Westwood: Fleming H. Revell Co., Rev. Ed. 1963), p. 133. عودة إلى النص.
  5. A.G. Fruchtenbaum, Apologia 2(3):54–58, 1993. عودة إلى النص.
  6. The use of the third person is no problem. Moses wrote the long account of his own life in Exodus to Deuteronomy in the third person, and many classical authors like Julius Caesar also wrote in the third person. عودة إلى النص.
  7. Adam and Eve knew how to sew fig-leaf ‘aprons’ for themselves (Genesis 3:7). Within a few generations, Adam’s descendants founded a city (Genesis 4:17), were tent-makers, cattle farmers, musicians with the ability to make both stringed and wind instruments, and metallurgists with the ability to smelt the ores of copper, tin and iron and then to forge all kinds of bronze and iron tools (Genesis 4:20–24). Dr Henry M. Morris comments in The Genesis Record (Baker Book house, Grand Rapids, Michigan, 1976, pp. 146–147):

    ‘It is significant to note that the elements which anthropologists identify as the attributes of the emergence of evolving men from the stone age into true civilization—urbanization, agriculture, animal domestication, and metallurgy—were all accomplished quickly by the early descendants of Adam and did not take hundreds of thousands of years.’ عودة إلى النص.

  8. Morris, H., The Genesis Record, p. 97. عودة إلى النص.
  9. رسالة من الأستاذ جيمس بار إلى ديفيد سي. واتسون من المملكة المتحدةـ بتاريخ ٢٣ نيسان ١٩٨٤. نسخة حفظها الكاتب. لاحظ أن الأستاذ بار لا يدعي أنه يُؤْمِن بمصداقية سفر التكوين من الناحية التاريخية. هو فقط ينقل لنا مالذي يحاول السفر تقديمه من ناحية اللغة، بحسب رأيه. عودة إلى النص.
  10. Adapted from J. Sidlow Baxter, Explore the Book, Vol. 1, pp. 27–29. عودة إلى النص.